إذا قلنا إنَّ ثورة الشعب السوري هي الثورة الأكثرَ شجاعةً فِي المنطقة حتى الآن، في إطار الربيع العربي.
فإنَّ ذلك جزءٌ من الاعتراف ببسالة الشعب السوري؛ فمِمَّا لا شكَّ فيه أنَّ كلاًّ من النظامين المصري والتونسي السابقين لم يَصِلا في القَمْع إلى هذا الحدِّ غيرِ المسبوقِ الذي وصَل إليه النظام السوري البَشِع.
بل إنَّ تركيبة النظام السوري - المختلفة طبعًا عن كلٍّ من النظامين المصري والتونسي السابقين- كانت مسألةً معروفةً سلفًا..
فهو نظام فاشِيٌّ وطائفيٌّ، ويعتمد على عائلةٍ تُسيْطِر على كل شيء ولا تسمح إلا بحزب واحد.
وتعتمد كذلك على مجموعة من الأجهزة الأمنية الباطشة والبشعة تَمَّ بناؤها على مدى ما يقرب من 40 عامًا كاملةً منذ تولِّي حافظ الأسد السلطة في عام 1970م.
أضف إلى ذلك أنَّ الجيش السوري المغلوب على أمره والخاضع لقيادات علوية يُمارس أبشعَ أنواعِ القتلِ والتدمير بالطائرات والدبابات والمدفعية ضدَّ شعب أعزل.
وهو ما لم يحدث مع الجيش في مصر أو تونس، وكذلك فإنَّ قدرة الجيش اليمني على فعل شيء مثل الجيش السوري هي مسألةٌ صعبةٌ تَكْتَنِفُها حسابات قبلية وعشائرية في اليمن لا تسمح بها.
إذن فالحالة السورية هي حالةٌ قريبةٌ من الحالة الليبية، ولكنها أسوأَ؛ لأنَّ الثورة الليبية استطاعت أن تعتمد على السلاح أو الدعم الدولي والعربي وأن تشكِّل لنفسها جيشًا صار قادرًا على مواجهة كتائب القذافي، والتركيبة القبائلية في ليبيا تَسْمَحُ بذلك.
ولكن الشعب السوري وحدَه هو الذي تحمَّل أعباء الثورة؛ تحمَّل تجاوزات قوَى الأمن، تحمَّل تدخُّلَ الجيش السوري بالدبابات، تحمَّل العناصرَ الإجرامية التي يُجنِّدها النظام من البلطجية والشَّبِّيحة، تحمَّل كلَّ هذا وأصَرَّ على سِلْمِيَّة الثورة، بل واستمرارها.
إذن فالشعب السوري كان يُدْرِك أنَّ خروجه للمظاهرات يعني الموت والاستشهاد، ومع ذلك كان يخرج، إنَّها الشجاعة والبسالة. ولعلَّ مدينة درعا هي أشجع مدينة عربية وعالمية حتى الآن، وهي التي اندلعت فيها الثورة، ثمَّ انضمَّت إليها باقي المدن السورية؛ حماة، ودير الزور، وحمص، واللاذقية.. . إلخ.
ويبقى أنَّ الثورة لو امتدَّت إلى دمشق وحلب بنفس القوة كما في حماة ودير الزور مثلاً، فهل هي قادرة على أن تُنهي النظام؟! ولعلَّ ذلك هو التحدِّي الذي يواجه الثورة السورية الآن.
* * *
كعادة الاستبداد، فإنَّه غبِيٌّ وشرير وقَمْعِيٌّ، وكاذب، ولعلَّ النظام السوري قد ضرب المثل في الكذب، لدرجة أنَّ مِن الممكن أن تقول الآن: إنه ليس أكذب من بشار إلا بثينة شعبان مثلاً.
وهذا الكذب والمنطق المعكوس كشف أيضًا عددًا كبيرًا من السادة المثقفين العرب الذين باعوا ضمائرَهم، وراحوا يدافعون بمنطقٍ مُتَهافِتٍ عن النظام السوري، ففَضَحوه وفضحوا أنفسهم.
يدافع النظام السوري عن نفسه قائلاً: إنَّ مَن يقتل المتظاهرين هم عصاباتٌ إجراميةٌ، وإنَّ الجيش يتدخل لضرب هذه العصابات التي تُحرِّكها أصابع أجنبية. ولا أدري كيف يصدِّق عاقل أن تكون هناك دولة في الدنيا قد تَمَّ اختراقها بالكامل من الجنوب إلى الشمال ومن الشرق إلى الغرب بهذا العدد الهائل من العصابات الإجرامية دون أن تدْرِي، وأن تكتشف ذلك فجأةً!
فمعنى ذلك أنَّها دولة فاشلة وأن أجهزتها كانت في غيبوبة، وهذا يكفي ليكون سببًا للثورة عليها والإطاحة بها.
ثم لماذا لا يستطيع الجيش السوري والأمن السوري القبض حتى الآن على عصابة من تلك العصابات ويُقدِّمُها للمحاكمة مثلاً؟! والنظام الذي يفشل في مواجهة اختراق خارجي أو عصابات لعدة شهور عليه أن يَرْحَل.
بديهيٌّ أنَّ هذه كَذِبة من العيار الثقيل تدلُّ على الغباء، وإصرار النظام عليها يعنِي أنَّه فاشل تمامًا وعاجر تمامًا، ولكن أن يُردِّدها مُفكِّرون ومثقفون عرب فهذه مأساة كاملة.
الكذبة الأخرَى: أنَّ النظام السوري مستهدَفٌ؛ لأنه يُواجِهُ أمريكا وإسرائيل. وهذا أولاً غير صحيح، ولكن حتى بفرض صحته فإنَّ مواجهة أمريكا أو إسرائيل لا تبرِّر قتلَ الشعب السوري.
والحقيقة أنَّ النظام السوري منذ عام 1974م لم يُطْلِق رصاصةً واحدةً تجاه إسرائيل، بل إنَّ استمرار نظام بشار الأسد في سوريا هو ضمانة لأمن إسرائيل.
وإسرائيل وأمريكا يحرصان على استمرار النظام لمصلحة الكيان الصهيوني، ولكنَّ النظام يَحْتَرِق ويتحوَّل إلى فأرٍ مَيِّتٍ، وفي هذه الحالة فإنَّ أقرب حلفائِه - مثل روسيا- سوف يُلْقِيه في سَلّة المهملات، وهذا يعكس التطوُّر السريع في الموقف التركيِّ لصالح الثورة، ثم في الموقف الرُّوسِيِّ لنقد نظام الأسد.
فِي كلِّ الأحوال فإنَّ غياب الموقف العربي الرسمي والشعبي هو عارٌ علينا جميعًا، فيجب أن تتحرَّكَ الشعوب العربية؛ دفاعًا عن الإخوة والأشقاء في سوريا الباسلة.
الكاتب: د. محمد مورو
المصدر: موقع على بصيرة